بحث

تأثير العولمة على هويتنا العربية بين الأمركة و الكوكلة والمكدلة وكيفية مواجهتها

DIANA
المؤلف DIANA
تاريخ النشر
آخر تحديث

 العولمة بين الأمركة و المكدلة و الكوكلة

إننا نسمع كثيراً بكلمة العولمة وتم إلصاق معظم السلبيات بها، حتى بات بعض الباحثون الناشطون المدنيون والمهتمين يبحثون عنها ويحاولون وضع، تعريف لها. 

في عالم أصبح قرية صغيرة مترابطة، بسبب التطور التكنولوجي و وسائل الاتصال الحديثة التي، كسرت حواجز الزمان والمكان، وساعدت على التواصل السريع بين مختلف ثقافات العالم.

إن هذا التقارب، الذي يعرف باسم العولمة ألقى بظلاله على مجتمعاتنا العربية محدثاً تغييرات عميقة في أنماط حياتنا وثقافتنا، ومثيراً تساؤلات جوهرية حول مستقبل هويتنا العربية في خضم هذا التحول العالمي.

العولمة




مفهوم العولمة

العولمة ليست ظاهرة وليدة العصر الحديث، بل تمتد جذورها إلى القرن الخامس عشر مع اكتشاف طرق التجارة العالمية.

ومع ذلك، اكتسبت العولمة زخماً أكبر مع بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى بعد انتهاء الحرب الباردة، وتسارع هذا الزخم مع انتشار التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. التي غيرت قواعد اللعبة.

وقد عرفت العولمة: بأنها عملية تفاعلية معقدة تشمل انتشار الأفكار والخدمات والمنتجات ورؤوس الأموال، بين دول العالم، بهدف خلق تفاعل وتكامل بين الحكومات والشعوب.


تعريف العولمة

يصعب وضع تعريف واحد وشامل للعولمة، نظراً لتشعب أبعادها وتأثيراتها المتنوعة على مختلف جوانب الحياة، فهي تشمل الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التكنولوجية.

وتتداخل فيما بينها بشكل معقد.

وتعرف بشكل عام بأنها ظاهرة عالمية سريعة الانتشار، نشطت التواصل بين الأفراد والمجتمعات من خلال التكنولوجيا والاتصالات، لتحول العالم إلى قرية صغيرة.

وهناك من يرى العولمة كفرصة للنمو والازدهار، بينما يراها آخرون تهديد للهويات المحلية والثقافات الأصلية.


تأثير العولمة على الثقافة العربية

واجهت الحكومات والمجتمعات العربية تحدياً كبيراً في الموازنة بين الانفتاح على ثقافات العالم والاستفادة من مكتسبات العولمة، وبين الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة والغنية بتاريخها، وتراثها وقيمها، حيث تجلت تأثيرات العولمة في جوانب مختلفة من الحياة العربية مثل:

  1. اللغة حيث ازداد استخدام اللغات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية، في التعليم و الإعلام والأعمال بين الشباب العربي، مما يشكل تحدياً للغة العربية الفصحى ولهجاتها المحلية.
  2. العادات والتقاليد التي تغيرت الكثير من العادات والتقاليد العربية الأصلية، مثل أنماط الزواج والعلاقات الاجتماعية والتفاعلات اليومية، تحت تأثير أنماط الحياة الغربية.
  3. الأزياء التي انتشرت الأزياء الغربية بشكل واسع في الأسواق العربية، مما أدى إلى تراجع استخدام الأزياء التقليدية في بعض المناطق وظهور أنماط جديدة من الأزياء، تحاول الجمع بين التراث واللباس العصري.
  4. الفنون حيث ازدادت شعبية الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية الأجنبية، وخاصة الأمريكية، بين الشباب العربي مما يؤثر على انتشار الإنتاج الفني العربي والإعلامي العربي، ويشكل تحدياً له في جذب الجمهور.

الهيمنة الأمريكية

بعد انتهاء الحرب الباردة، برزت الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة على الساحة الدولية، مما ساهم في تسريع وتيرة العولمة وتعود هذه الهيمنة إلى عوامل متعددة:

  • الهيمنة الاقتصادية حيث تمتلك الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم، ونفوذاً واسعاً في الأسواق المالية والتجارية العالمية، بالاضافة الى انها تتحكم بمؤسسات مالية دولية.
  • الهيمنة التكنولوجية حيث تتصدر الولايات المتحدة مجال التكنولوجيا والابتكار والاتصالات، وتتحكم بشركات التكنولوجيا العملاقة التي تسيطر على جزء كبير من الفضاء الرقمي.
  • الهيمنة الثقافية والإعلامية وتسيطر من خلالها الولايات المتحدة على صناعة الترفيه والإعلام، وتنشر ثقافتها وأفكارها وقيمها من خلال الأفلام والموسيقى والبرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي.


مصطلحات مرادفة للعولمة

ظهرت مصطلحات مرادفة للعولمة تعبر عن التأثير الأمريكي الواضح على أنماط الحياة الاستهلاكية والثقافية في العالم مثل:

1_ الأمركة (Americanization)

ظهر هذا المصطلح في عام 1907 وهو دليل على التأثير، الأمريكي في مختلف تفاصيل حياتنا.

وتسمى المجتمعات أو الأفراد الذين يتبعون هذا النمط الأمركة، كما يشمل السيطرة الإعلامية والثقافية والاقتصادية.

ويغطي جميع شرائح المجتمع، بالإضافة إلى الهيمنة السياسية على حكومات العالم حيث تعمل أمريكا على استغلال القوة المتنوعة، لديها من سياسة، و اعلام وثقافة إلى أمركة العالم وجعله مثل المجتمع الأمريكي، كما تسعى إلى نشر الثقافة الغربية وجذب شعوب العالم إليها.


2_ الكوكلة (Cocacolization)

إن مفهوم الكوكلة أي الكولونيالية يشبه في جوهره مفهوم الأمركة، فهو يشير إلى صبغ المجتمعات بالصيغة الأمريكية.

بالإضافة إلى أن مصطلح الكوكلة مستوحى من الكوكا كولا الذي تعتبر، رمز لنمط الحياة وانتشاره، وقد رأى بعض الباحثين السياسيين أن الأمر لا ينحصر في الكوكلة فقط، بل يمكننا تصنيفه كوكاكولونيالية بدل من كولونيالية وهذا يشير، إلى أن الكوكلة تمثل شكل من أشكال الاستعمار الحديث.

والذي يعتمد على الأغواء والترغيب بدلاً عن الإكراه والاجبار.


3_ المكدلة (Mcdonaldization)

شرح عالم الاجتماع جورج ريتزر في كتابه The Macdonaldization بأن هذا المصطلح يعود إلى طريقة ماكدونالدز، التي تعتبر أيضاً رمز الأمركة.

بدل من مصطلح الكوكا كولا، حيث تعني أيضاً نشر ثقافة الأكل الأمريكي في العالم، وتأسست شركة، ماكدونالدز في سنة 1940 من قبل الأخوين ريتشارد وموريس ماكدونالدز كموظف همبرغر في سان برناردينو_كاليفورنيا.

مع العلم إن الوجود العالمي لشركة ماكدونالدز يرمز إلى العولمة وتأثرها الكبير في أسلوب الحياة الأمريكية، حيث أصبحت من أكبر المؤسسات في العالم.

وأكبر سلسلة مطاعم من حيث المدخول والإيرادات، وكان سبب نجاحها هو فهمهم المبادئ الأساسية لاستراتيجية عمل كادرها، فمن أهم العناصر الرئيسية في استراتيجية الأعمال لماكدونالد هو مفهوم الوجبات السريعة، أي نموذج الامتياز التجاري، بالإضافة إلى المشاريع المشتركة مع المنظمات والشركات الأخرى.

كذلك التطوير العقاري والملكية وإدارة سلسلة التوريد وأخيراً التسويق والإعلان.



العولمة


تأثير ماكدونالدز وكوكاكولا على الثقافة العربية

  1. تغيير عادات النظام الغذائي في العالم مما أدى إلى انتشار الوجبات السريعة والمشروبات الغازية
  2. تأثيرها على القيم الثقافية مما أدى إلى ضعف الهوية الثقافية، حيث تمثل ماكدونالدز وكوكاكولا قيم مختلفة كلياً، عن القيم العربية.
  3. تعزيز الاستهلاك حيث تشجع الشركتان على كثرة، الاستهلاك مما يؤدي إلى زيادة النفايات، وتأثيرها السلبي على البيئة.


الآثار الإيجابية للعولمة

بالرغم من التأثيرات السلبية التي تسببها العولمة على الهوية العربية، إلا إنها تحمل في طياتها العديد من الآثار الإيجابية، والتي منها:

  • التقدم التكنولوجي حيث ساهمت العولمة في انتشار التكنولوجيا الحديثة في العالم العربي، مما أدى إلى تسهيل التواصل والوصول إلى المعلومات.
  • انتشار التعليم حيث زادت من فرص التعليم بشكل كبير، وساعدت على الوصول إلى المعلومات بشكل سريع وسهل كما ساعدت الطلاب العرب على الدراسة في الجامعات العالمية، والحصول على أحدث المعارف والمعلومات.
  • النمو الاقتصادي حيث ساهمت العولمة في زيادة التجارة والاستثمار، مما أدى إلى نمو الاقتصاد في العديد من الدول الدول العربية.
  • التبادل الثقافي زادت التبادل الثقافي بين الشعوب، مما ساعد على توسيع آفاق المعرفة والتفاهم المتبادل.

الآثار السلبية للعولمة

رغم وجود الايجابيات الا ان العولمة تحمل آثار سلبية على المجتمعات العربية نذكر منها:

  1. ضياع الهوية قد يؤدي التغريب الثقافي الناتج عن العولمة إلى فقدان، الشعور بالهوية الوطنية والقيم الثقافية.
  2. الاستغلال الاقتصادي حيث تستغل الشركات المتعددة الجنسيات الدول النامية، بمافيها الدول العربية لتحقق أرباح أكبر على حساب الموارد الطبيعية والعمالة المحلية.
  3. التفاوت الاقتصادي حيث تزيد العولمة من الفجوة الاقتصادية بين الدول الغنية، والفقيرة مما يؤدي إلى زيادة حدة المشاكل الاجتماعية.
  4. التبعية الثقافية حيث تؤدي العولمة إلى تبعية ثقافية للدول الغربية مما يقلل من قدرة، المجتمعات العربية على إنتاج ثقافة أصلية.


تطوير استراتيجيات مواجهة التحديات

للحفاظ على الهوية العربية، يجب اتخاذ خطوات محددة مثل:

  1. تعزيز الوعي بالهوية الوطنية والتراث الثقافي، من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والأنشطة الثقافية و المجتمعية.
  2. دعم الانتاج الثقافي والابداع العربي، من خلال دعم الفنانين والمثقفين والمؤسسات الثقافية والإعلامية والعربية.
  3. تطوير الاقتصاد العربي وتنويع مصادر الدخل، من خلال الاستثمار في القطاعات المنتجة وتطوير البنية التحتية والتعليم.
  4. التعاون والتكامل بين الدول العربية، لمواجهة التحديات المشتركة و زيادة قدرتها على المنافسة في الاقتصاد العالمي.

مجالات العولمة

تشمل العولمة مجالات متعددة تتداخل فيما بينها نذكر منها: 

1_ العولمة السياسية

وتتعلق بتراجع السيادة المطلقة للدولة، وانتشار المنظمات الدولية حيث تكون الدولة ساحة تفاعل القوى العالمية

فهي ليست مجرد اتفاقيات ومعاهدات، بل هي تفاعل حيوي بين دول العالم على مختلف الأصعدة.

تخيل معي مشهداً عالمياً يعج بالمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، التي تلعب دوراً محورياً في حل النزاعات وحفظ السلام، أو منظمة التجارة العالمية التي تنظم حركة التجارة بين الدول.

إن هذه المنظمات، وإن كانت ضرورية، تحدّ من سيادة الدول بشكل أو بآخر، حيث تُلزم الدول الأعضاء بقواعد وقوانين قد لا تتفق بالضرورة مع مصالحها الآنية.

من ناحية أخرى، نشهد ازدياداً في التعاون الدولي لمواجهة تحديات مشتركة كالإرهاب والتغير المناخي، كما أن هذا التعاون، رغم أهميته، قد يؤدي أحياناً إلى تدخل دول كبرى في شؤون دول أخرى. 

بحجة حماية حقوق الإنسان أو نشر الديمقراطية، ما يثير جدلاً واسعاً حول شرعية هذه التدخلات وحدودها.


تأثيرها على العالم العربي

العالم العربي ليس بمنأى عن هذه التفاعلات. فنجد أن الدول العربية تواجه ضغوطاً متزايدة لتبني إصلاحات سياسية واقتصادية تتماشى مع المعايير الدولية.

كما أن الصراعات الإقليمية والدولية تلقي بظلالها على استقرار المنطقة. ولا ننسى دور منظمات المجتمع المدني التي أصبحت تلعب دوراً أكبر في المطالبة بالإصلاح السياسي وحقوق الإنسان.


2_ العولمة الاقتصادية

التي تتعلق بحركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول وهي شبكة المصالح المترابطة حيث تعتبر، العولمة الاقتصادية مثل شبكة عنكبوتية ضخمة تربط اقتصادات دول العالم ببعضها البعض، كما أن التجارة الحرة، والاستثمار الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات والأسواق المالية العالمية، كلها خيوط متشابكة في هذه الشبكة.

فالتجارة الحرة، التي تهدف إلى إزالة الحواجز الجمركية تسهل حركة السلع والخدمات بين الدول.

مما يخلق فرصاً اقتصادية جديدة ولكنه يزيد أيضاً من حدة المنافسة بين الشركات.

أما الاستثمار الأجنبي، فيتدفق بين الدول بحثاً عن فرص استثمارية مربحة، ما قد يؤدي إلى نمو اقتصادي في بعض الدول ولكنه قد يزيد أيضاً من تبعية دول أخرى للاستثمارات الأجنبية.


تأثيرها على العالم العربي

انفتاح الأسواق العربية على التجارة والاستثمار الأجنبي خلق فرصاً اقتصادية، ولكنه جعلها أيضاً أكثر عرضة لتقلبات الاقتصاد العالمي، كما أن الشركات العربية أصبحت تواجه منافسة شديدة من الشركات الأجنبية العملاقة.


3_ العولمة الاجتماعية

وتتعلق بالتواصل والتفاعل بين المجتمعات في عالم واحد تحت سقف التكنولوجيا، حيث أنها غيرت طريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض فالهجرة، والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي كلها عوامل ساهمت في تقريب المسافات بين الناس،

فالهجرة التي ازدادت وتيرتها في العصر الحديث فجلبت معها ثقافات وأفكاراً جديدة، ما أثرى التنوع الثقافي في المجتمعات ولكنه خلق أيضاً تحديات جديدة، تتعلق بالاندماج والتكيف وأما التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. 

فقد حولت العالم إلى ما يشبه قرية صغيرة، حيث أصبح بإمكاننا التواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم وتبادل الأفكار والمعلومات بسهولة.


تأثيرها على العالم العربي

العالم العربي لم يكن بمنأى عن هذه التغيرات، فقد تأثرت القيم والعادات العربية بالثقافات الأخرى، وازداد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتغيرت أنماط، الاستهلاك لدى الشباب.


4_ العولمة الثقافية

 والتي تتعلق بانتشار الأفكار والقيم وأنماط الحياة بين الثقافات، حيث تم تبادل الأفكار والقيم والرموز الثقافية بين دول العالم، مما أدى إلى انتشار وسائل الإعلام العالمية والعلامات التجارية العالمية، وسهولة تبادل الأفكار، والمعرفة عبر الإنترنت كلها مظاهر للعولمة الثقافية، إن هذا التبادل الثقافي قد يكون إيجابياً حيث يساهم في توسيع آفاق المعرفة والتفاهم بين الشعوب، ولكنه قد يكون سلبياً أيضاً، حيث يؤدي إلى طغيان ثقافة معينة على ثقافات أخرى ما يهدد الهويات، الثقافية المحلية.


تأثيرها على العالم العربي

الثقافة العربية تأثرت بشكل كبير بالثقافة الغربية، ما أثار جدلاً حول كيفية الحفاظ على الهوية الثقافية في ظل هذا الانفتاح. كما أن انتشار اللهجات العامية وتراجع استخدام اللغة العربية الفصحى، يعتبر أيضاً من مظاهر تأثير العولمة الثقافية.



في الختام نجد أن العولمة حقيقة لا يُمكن إنكاره، كما يجب على المجتمعات العربية أن تطور استراتيجيات للتعامل معها بشكل فعال يحقق التوازن، بين الانفتاح على العالم والحفاظ على الهوية العربية الأصيلة كما يتطلب ذلك تعزيز الوعي بأهمية الهوية الوطنية، ودعم الجهود الرامية إلى حماية التراث الثقافي.


تعليقات

عدد التعليقات : 0