بحث

الدين والسياسة في التاريخ الإسلامي: بين وحدة الرسالة وصراع السلطة

DIANA
المؤلف DIANA
تاريخ النشر
آخر تحديث

الدين والسياسة في التاريخ الإسلامي: بين وحدة الرسالة وصراع السلطة

إن التداخل بين الدين والسياسة ليس وليد العصر بل هو قديم حداً منذ بزوغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية لم يكن الدين مجرد دعوة روحية، بل كان مشروعاً حضارياً متكاملاً شمل العقيدة والعبادة والأخلاق والنظام، الاجتماعي والسياسي.

الدين والسياسة


حيث تجلّت هذه الوحدة بشكل واضح في شخصية النبي محمد ﷺ الذي جمع بين النبوة والقيادة السياسية

إلا أن هذا التداخل بين الدين والسياسة، الذي كان في بدايته مصدر قوة و وحدة لكن سرعان ما تحول في مراحل لاحقة إلى مجال صراع على السلطة، وميدان تأويلات متعددة وظفت الدين لخدمة أغراض دنيوية. 

إن هذا المقال يسعى إلى تحليل هذه العلاقة المركبة تاريخياً والتأمل في أثرها على الحاضر.


1. الدين كمنظومة متكاملة للحكم في عهد النبي والخلفاء الراشدين

في المرحلة التأسيسية للإسلام جسّد النبي محمد ﷺ نموذجاً للحاكم الكامل، حيث لم يكن هناك فصل بين "الديني" و"السياسي" حيث كانت المدينة المنورة، أول نموذج تطبيقي لدولة تجمع بين المرجعية الدينية والسلطة السياسية.

وقد استمرت هذه الرؤية في عهد الخلفاء الراشدين الذين اتسم حكمهم بالتشاور، والزهد وتغليب المصلحة العامة ولم يكن الحكم آنذاك قائماً على العصبية أو الوراثة؛ بل على اختيار الأمة لمن ترى فيه الأهلية.


2. تحول مفهوم الحكم من الخلافة الراشدة إلى المُلك العضوض

بدأ التحول الحقيقي بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان وتفاقم في عهد الدولة الأموية مع صعود معاوية بن أبي سفيان إلى الحكم.

انتقلت السلطة من الخلافة إلى "الملك العضوض" حسب تعبير الحديث النبوي وأصبحت السلطة تورث لا تنتخب وغلبت العصبية القبلية على الشورى. 

إن هذا التحول غيّر طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأدخل الإسلام السياسي، في طور جديد حيث أصبح الدين يستخدم كوسيلة شرعنة. 


3. السلطة والشرعية 

مارست الأنظمة السياسية الإسلامية عبر العصور استخداماً مزدوجاً للدين تارة لتكريس شرعيتها كما فعل العباسيون؛ حين رفعوا شعار "الرضا من آل محمد" وتارة لقمع المعارضين واتهامهم بالردة أو البدعة، حتى احترنا في الإجابة على سؤال هل الدين في خدمة الحكم أو مقاومته؟

في المقابل استخدم الدين أيضاً لمقاومة الاستبداد كما في ثورات الحسين بن علي، والزيد بن علي، وغيرهم ممن رفعوا شعار "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" كسلاح ضد الطغيان. 


4. الصراعات السياسية وأثرها في تشكّل المذاهب الإسلامية

لم تكن الخلافات المذهبية في الإسلام وليدة اختلافات فقهية فقط، بل كانت كثيراً ما تغذى بصراعات سياسية بسبب نشوء الفرق مثل الشيعة والخوارج والمعتزلة. 

ولم يكن بمعزل عن الصراع على السلطة والشرعية، فلكل تيار خلفية سياسية تفسر كثيراً من مواقفه العقيدة، وهذا يدل على أن السياسة كانت حاضرة بقوة في تشكيل الفكر الديني، سواء كحليف أو خصم.


5. التصوف كحركة روحية في مواجهة السلطة

برز التصوف كتيار يرفض الصراع الظاهري على السلطة، ويدعو إلى الثورة الباطنية على النفس والهوى.

لكنه لم يكن بمعزل عن السياسة

فقد تبنى بعض الصوفيين مثل رابعة العدوية مواقف رمزية مناهضة للترف السلطوي، بينما صاغ ابن عربي رؤى فلسفية تتجاوز الصراع السياسي إلى توحيد الوجود كله في الحق. 

ويمكن اعتبار التصوف أحيانًا شكلاً من أشكال المقاومة الهادئة للاستبداد.

الدين والسياسة



6. الدين والسياسة بين الأمس واليوم

لا تزال العلاقة بين الدين والسياسة تثير الجدل في المجتمعات الإسلامية حيث خرجت أصوات كثيرة تطالب بفصل  الدين عن الدولة. 

هل هذه الأصوات محقة في ذلك؟ أم أن الدين هو أساس الأخلاق العامة والحكم الرشيد؟

هذه الأسئلة ما زالت حاضرة في قلب الحراك الفكري والسياسي؛ و التحدي اليوم هو إيجاد صيغة تحقق التوازن لا تقصي الدين من الحياة العامة، ولا تحوله إلى أداة بيد السياسيين لأن التجارب أثبتت فشلها في الاستمرارية بالحكم، عندما تحول الدين إلى أداة قمعية بيد السياسيين.

انظمة سياسية دينية فشلت في إدارة البلاد 

تعتبر الأنظمة السياسية الدينية أنظمة تحكم البلاد بناءً على تفسير معين للدين، وتدمج بين السلطة الدينية والسياسية، عبر التاريخ الحديث، وقد عرفت عدة دول محاولات لتطبيق هذا النوع من الأنظمة لكنها غالباً ما اصطدمت بتحديات أدّت إلى فشلها في إدارة شؤون البلاد، ومن أبرز هذه التجارب:

1. تجربة محمد مرسي في مصر (2012-2013)

تولى محمد مرسي ممثل جماعة الإخوان المسلمين رئاسة مصر بعد ثورة 25 يناير عام 2011 وقد اعتبرت فترة حكمه محاولة لتطبيق مشروع؛ ذي صبغة دينية في السياسة، حيث سعت جماعة الإخوان للسيطرة على مفاصل الدولة، ولكن واجه مرسي العديد من التحديات منها:

  1. الانقسام المجتمعي العميق بين مؤيديه ومعارضيه
  2. ضعف الأداء الاقتصادي إذ ازدادت معدلات البطالة، وتراجع الاستثمار وشهدت البلاد أزمة في الوقود والكهرباء.
  3. إصدار إعلان دستوري حصّن قراراته، من الرقابة القضائية ما أثار موجة غضب شعبي.

ونتيجة لهذه الأزمات خرجت مظاهرات حاشدة في 30 يونيو 2013 طالبت برحيله، ما أدّى إلى عزله من قبل الجيش في 3 يوليو 2013.

2. النظام الطالباني في أفغانستان (1996-2001)

سيطرت حركة طالبان على أفغانستان وأسست نظاماً سياسياً دينياً طبق الشريعة بتفسيرات متشددة، حيث عانت البلاد خلال هذه الفترة من:

  1. عزلة دولية خانقة
  2. قمع الحريات العامة وحقوق المرأة
  3. تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي.
  4. تحول البلاد إلى ملجأ للجماعات المتطرفة مما جلب، تدخلاً عسكرياً دولياً بعد أحداث 11 سبتمبر مما أدى إلى انهيار حكم طالبان في 2001

3. محاولات الأحزاب الدينية في السودان (1989-2019)

استلمت الجبهة الإسلامية القومية بقيادة عمر البشير وحسن الترابي الحكم بعد انقلاب 1989، وسعت إلى أسلمة الدولة، وعانى السودان في ظل هذا الحكم من:

  1. عزلة دولية بسبب سياساته.
  2. اندلاع الحروب الأهلية في دارفور والجنوب.
  3. انهيار اقتصادي بسبب الفساد وسوء الإدارة.

وفي عام 2019  أُطيح بالبشير بعد احتجاجات، شعبية واسعة. 

في النهاية 

إن العلاقة بين الدين والسياسة في التاريخ الإسلامي ليست قصة أبيض وأسود بل لوحة معقدة، تتداخل فيها النوايا الطيبة بالواقع المتغير. 

ومن النموذج النبوي الراشد إلى انحرافات الحكم الوراثي، إلى بروز تيارات المقاومة الصوفية والعقدية نرى أن التفاعل بين الدين والسياسة شكل ملامح الأمة الإسلامية.

ولعل العودة إلى جوهر الرسالة الإسلامية كالرحمة والعدل  والشورى هو الطريق للخروج، من أزمات الحاضر نحو مستقبل أكثر اتزاناً وإنسانية.

تعليقات

عدد التعليقات : 0