بحث

السيدة فيروز في عيدها التسعين: صوتٌ يضيء صباحاتها ويُطفئ وجع العالم

السيدة فيروز في عيدها التسعين: صوتٌ يضيء صباحاتها ويُطفئ وجع العالم
المؤلف DIANA
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

السيدة فيروز في عيدها التسعين مازالت صوتٌ يضيء صباحاتها ويُطفئ وجع العالم


في مثل هذا اليوم يولد الضوء من جديد ليس ضوء الشمس ولا إشراقة الفجر، بل ذلك النور الخافت الذي يخرج من بين أوتار صوتٍ يشبه الصلاة، يشبه الندى ويشبه لبنان حين كان حلماً نقياً، اليوم عيد ميلاد السيدة فيروز الصوت الذي لم يكن يوماً مجرد صوت مغنية، بل كان حالة شعورية كاملة ترافق الإنسان منذ طفولته وتختبئ في ذاكرته. 

مثل بطاقة بريدية قديمة لا تذبل ألوانها مهما مرّ عليها الزمن، ولا أحد يستطيع أن يمرّ على هذا اليوم دون أن يشعر أن شيئاً دافئاً يستيقظ داخله فميلاد السيدة فيروز ليس مجرد تاريخ، بل مناسبة نادرة نستعيد فيها تلك الذكريات التي رافقتنا على صوتها، حين كانت شوارع الصباح تفتح بقداستها وحين كانت المدن تشفى من قلقها وهي تردد: إيه في أمل…. 

وكأن الأغنية أصبحت دواءً يسكب الطمأنينة في الأرواح الجائعة إلى السلام.


فيروز الحنجرة التي شيّدت وطناً لا يسقط

ربما لم يعرف العرب فناناً استطاع أن يتجاوز فكرة الفن ليصبح رمزاً، كما فعلت السيدة فيروز فهي لم تكن مطربة عاشت على المسرح فقط، بل كانت وطناً صغيراً يسكن في صدور الملايين، وطنٌ بلا حدود وبلا جواز سفر وبلا انتماء سياسي، وطنٌ لا يُخضع الناس لشروط الانتماء بل يحتضن قلوبهم كما هي.

ولأن صوتها ولد في زمنٍ يبحث عن هوية، صارت هي الهوية وصارت لبنان حين تتعب لبنان، وصارت ذاكرة العرب حين يفقد العرب ذاكرتهم، فكل أغنية من أغانيها تحمل رائحة جبل أو طلّة شباك أو دمعة عابرة تركها الغياب على وجنة أحدهم، وحدها السيدة فيروز استطاعت أن تحول الوجع جمالًا، وأن تجعل من الشجن موسيقى لها ملمس الحرير.


عيد ميلاد فيروز… عيدٌ لكل شخص وجد نفسه في صوتها

نحتفل اليوم بعيد ميلادها ولكن الحقيقة أن الاحتفال ليس بها وحدها، بل الاحتفال بكل أمٍ كانت تشغّل أغانيها قبل أن يذهب أبناؤها إلى المدرسة، هو الاحتفال بكل عاشق كان يخبئ رسالته تحت النافذة ويهمس:

يا أنا يا أنا… وبحبك أنت.

هو الاحتفال بكل مغترب كان يضع سماعاته في الليل ويستمع إلى سنرجع يوماً و أغنية وطني يا جبل الغيم الأزرق ودهب الزمان الضايع وهو يحلم ببلادٍ يعرف أنها قد لا تعود، لكنه يصرّ على الحلم ما دام صوت السيدة فيروز يبقيه حياً.

عيد ميلاد السيدة فيروز هو عيدٌ لكل إنسان وجد نفسه يوماً في أغنية، أو وجد ألمه يهدأ بعدما غنّت له دون أن تعرفه ودون أن تراه إنه عيد الروح قبل أن يكون عيدًا للفن.


قوة السيدة فيروز ليست في صوتها فقط بل في قدرتها على البقاء

في زمنٍ تتغير به المفاهيم ويختفي فيه الجميل بسرعة، بقيت السيدة فيروز ثابتة مثل شجرة أرز لا تهزّها عاصفة فهي لم تجرِ خلف الأضواء، ولم تلهث خلف الشهرة بل صانت فنها وكأنه جزء من كرامتها، بقيت تنتمي لصوتها أولًا ولجمهورها ثانياً وللبنان ثالثاً؛لكنها لم تنتمِ يوماً إلى أي شيء آخر وربما هذا ما جعلها خالدة.

السيدة فيروز الصوت الذي لا يتكرر والإنسانة التي لم تسمح للضوضاء أن تخدش نقاءها، والرمز الذي ظلّ بعيدًا عن الصراعات قريباً من القلوب.

السيدة فيروز… القصيدة التي لم تكتب بالكامل بعد

كلما استمعنا إلى أغنية لها نشعر أننا اكتشفنا في صوتها شيئاً جديداً كأنها قصيدة بلا نهاية، تتغيّر مع تغير أيامنا ومشاعرنا وأحياناً نسمعها فنشعر بالحنين، وأحياناً نشعر بالفرح، وأحيانًا أخرى نسمعها فقط لأن العالم يصبح قاسياً فنلجأ إليها كملاذ، فأيّ صوت هذا الذي يستطيع أن يكون مرّة أماً ومرّة صديقة ومرّة حبيبة ومرّة سماء؟

إنه صوت السيدة فيروز الذي لا يخون، ولا يذبل ولا يشيخ.


أثر فيروز في العالم العربي

لم يكن تأثير السيدة فيروز محصوراً في لبنان بل امتدّ إلى كل مدينة عربية، وضعت على أبواب صباحاتها أغنية لها في دمشق كانت أغانيها جزءاً من ذاكرة البيوت وفي القاهرة كان الفنانون يتعلمون منها معنى الرصانة والوقار، وفي بغداد كانت تبعث الأمل في زمن الانكسار وفي عمّان والرياض والدوحة وتونس والرباط، كان صوتها يرافق الجلسات العائلية وكأنه فرد من العائلة.

فيروز لم تكن مجرد فنانة بل مدرسة كاملة في الأداء والإحساس والصدق. مدرسة لا تدرّس قواعد الغناء فقط بل لغة العاطفة ولغة القلب.


السيدة فيروز في عيدها التسعين مازالت صوتٌ يضيء صباحاتها ويُطفئ وجع العالم


رسالة تهنئة إلى السيدة فيروز في عيدها

إلى السيدة فيروز

لو أن الكلمات تُكافئ العطاء لكتبنا لك اليوم ما يليق بحجم حضورك في قلوبنا، لكن الحقيقة أن كل الكلمات صغيرة أمام صوتٍ قادر على أن يغيّر مزاج مدينة كاملة، ويحوّل حزن إنسان إلى رجاء.

نقول لك اليوم: كل عام وأنتِ بخير

كل عام وصوتك هو النشيد الوحيد الذي لا نختلف عليه.. 

وكل عام ونحن نكبر على أغانيك كما لو أننا نكبر على أجنحة ملائكية.

إنت الشيء الجميل المتبقي من ذكريات الطفولة، نهنئك في عيدك ونعلم أن هذا العيد يختلف عن ما سبقه وإن الفرحة ناقصة بغياب زياد، لكن زياد في حضرة الغياب حاضر كحضورك. 

نتمنى أن تستطيع الأيام تخفيف حزنك ونتمنى لك الصحة والعمر الطويل والحياة الهادئة. 

نحن نحتاج لك 

لأن العالم صار يركض بسرعة لا تمنحنا فرصة لنلتقط أنفاسنا،. لأن الضجيج بات يلاحقنا في كل مكان.

ولأن التكنولوجيا جعلت المشاعر و اللحظات باردة والعلاقات هشة.

نحتاج إلى صوتك كي يذكّرنا أن الجمال ما زال ممكناً، وأن الفن قادر على أن يرمم الروح، وأن هناك دائماً مساحة للهدوء مهما اشتدّ صخب الحياة، إن صوتك يعلّمنا التأمل ويعلّمنا الصبر، ويعلّمنا أن القلب لا يموت طالما هناك أغنية تستطيع أن تعيده للحياة.


في نهاية هذا اليوم لا نحتفل بامرأة عادية بل بأسطورة عربية، بصاحبة الصوت الأزلي بملاك الصباح ورفيقة الذاكرة، نحتفل بالإنسانة التي علّمتنا أن الفن يمكن أن يكون صلاة وأن الأغنية يمكن أن تكون وطناً.

عيد ميلاد السيدة فيروز هو عيد لكل روح شعرت يوماً أنها أقل وحدة لأن هناك صوتاً يغني لها من بعيد.

كل عام وأنتِ بخير يا فيروز

وكل عام وصوتك يضيء عالمًا أرهقته الظلال.




تعليقات

عدد التعليقات : 0