بحث

رحيل زياد الرحباني هل أسدل الستار الأخير؟

DIANA
المؤلف DIANA
تاريخ النشر
آخر تحديث

معلِّمٌ رحل قبل أن يكمل درسه وتركنا نتساءل بالنسبة لبكرا شو؟!

في زمنٍ مازال بعيش على اوهام الماضي، رحل زياد الرحباني المشعل الذي أضاء ظلمات الحرب بلغة المسرح والموسيقى، كان زياد رجلًا عبقرياً وصادقًا، لا يمكن أن يتكرر.

زياد الذي صنع مسرحاً ينتفض بالكلمة، ويحفر في الوجدان بسخريته المريرة هو الذي أخرج جروح لبنان من قاع الصمت إلى ضوء الخشبة، حيث كان صوت الأصوات المهمشة كان صوت الخائفين والمنتفضين هو الوحيد الذي كان بطل مسرحياته الجمهور فحول شخصياته إلى مرايا لعصرٍ دمَُرته الطائفية.

كانت موسيقاه تكسر القيود وتخرج عن النمطية، فمزج الجاز بالموروث وحوَّل الأغنية من طرب إلى صرخة، ضد الجوع والفساد والطائفية والحرب... فصار هدوء نسبي نشيد جيلٍ ضائع. 

رحيل زياد الرحباني

النشأة والبداية

في قلب أنطلياس اللبنانية، مع بزوغ فجر 1 يناير عام 1956 ولد زياد الرحباني الذي ينحدر من عائلة فنية عريقة فهو إبن السيدة فيروز ( نهاد حداد )  و عاصي الرحباني وعمومه إلياس ومنصور الرحباني.

في السادسة من عمره، استوقف والده بألحانه وعزفه على الآلات، فبدأت رحلة اكتشاف الموهبة مبكراً.

 كان أول ظهور مسرحي له في عام 1973 بدور شرطي في مسرحية المحطة، وعندما ألف أغنية سألوني الناس التي غنّتها والدته فيروز، وحقق بها نجاحاً باهراً كان في السابعة عشرة من عمره. 

أعماله المسرحية والموسيقية

انطلق بـ مسرحية سهريّة عام 1973، ثم جاءت نزل السرور التي شكّلت تحوّلًا نوعياً تبنّى فيه نبرة ساخرة ونقداً اجتماعياً جريئاً للشأن اللبناني، وأرخت لحقبة الحرب الأهلية التي بدأت لاحقاً

من مسرحياته الشهيرة أيضاً بالنسبة لبكرا شو؟ وفيلم أميركي طويل و شي فاشل و بخصوص الكرامة والشعب العنيد و الفصل الآخر

تميز بأسلوبه المسرحي الذي يجمع بين السخرية الحادة والمعالجة العميقة للواقع، مؤسساً مدرسة فريدة في المسرح العربي المعاصر.

أعماله الموسيقية مع فيروز

لم تكن علاقته بوالدته فيروز علاقة أمومة فقط بل كانت شراكة فنية نادرة، اثمرت عن نجاحات وأعمال خالدة مثل:

أغنية سألوني الناس الذي لحنها عام 1973 خصيصاً لوالدته في توليف مبهر.

ثم تتالت الشراكة لتتحول من أغنية الى ألبومات مثل :

ألبوم وحدن (1977) و ألبوم معرفتي فيك (1987)، و ألبوم كيفك إنت (1991) واليوم إلى عاصي (1995)، ألبوم مش كاين هيك تكون (1999) ولا كيف (2002)، إيه في أمل (2010) وغيرها .

أشهر الأغاني

أغنية كيفك إنت وأغنية بلا ولا شي، وعندي ثقة فيك الذي كتبها لحبيبته و زوجته الممثلة اللبنانية كارمن لبس

حياته الشخصية وخلافاته

تزوّج زياد عام 1979 من دلال كرم، وأنجب منها ولدًا أُطلق عليه اسم عاصي لكن اختبار الأبوة أثبت لاحقًا أنه ليس ابنه البيولوجي؛ ما أدى إلى انفصالهما في 2009 وتبني علني للموقف من قضايا الإنكار والنسب.

لحّن عدة أغنيات تعبّر عن علاقته بها، ومنها مربى الدلال و بصراحة.

بعد الطلاق ارتبط بعلاقة طويلة مع الممثلة اللبنانية كارمن لبّس استمرت نحو 15 عامًا، لكنها انتهت أيضًا بسبب عدم الاستقرار في حياته وفق رغبتها.

خلافه مع والدته فيروز

على الرغم من التناقضات في بدايته في تلحين أغنياتها لكن سرعان ما أثارت غضب والده عاصي، الذي اعتبر الأمر استغلالًا لمآسيه الصحية، إلا أن النجاح دفعه لاحقًا لتقدير موهبة ابنه المتميزة.

ظلّت علاقة زياد وفيروز قائمة على الاحتراف والشراكة الفنية حيث تعاون في عدد كبير من أعمالها الناجحة، رغم الاختلافات الواقعية والعائلية المحتملة.

رحيل زياد الرحباني


حفلات زياد الرحباني في دمشق

في صيف عام 2008 عادت دمشق إلى صميم الثقافة العربية، حين اختيرت عاصمة للثقافة العربية وكان زياد الرحباني من أبرز الفنانين الذين خطوا زياراتهم لأول مرة بعد غياب، في قلعة دمشق من 15 إلى 19 أغسطس .

افتتح الحفل بقدوم نحو 4,000 الى 4,500 شخص من الجمهور منذ ساعات قبل بدايته، وركنوا في صفوف تضم التزاماً واحتراماً للموسيقى والكلمة.

ترافق زياد مع أوركسترا يقودها المايسترو كارين دورغاريان وتضم نحو 50 عازفًا من سوريا و لبنان و أرمينيا وأوروبا وكورال نسائي سوري مميز.

برنامجه احتوى على توليفة من أغانيه القديمة مثل بلا ولا شي و أغنية بما إنو وأغنية عودك رنان والتي غناها الجمهور بصوت واحد.

كما تضمنت مقطوعات موسيقية أصيلة من أعماله المسرحية مثل فيلم أميركي طويل والعقل زينة.

كما تضمنت أيضاً فقرات إسكتشات تمثيلية ساخرة من برنامجه الإذاعي العقل زينة، وأساليب نقده الاجتماعي الحاد، التي أضفت لمسة حيّة من الدعابة الذكية رغم أحيانها الطويلة.

علاقته مع الجمهور السوري

أحب زياد مشاركته ليس فقط بالاستماع بل التفاعل فغنى مع زياد، تصفّح الكلمات وثار عند لحظة القمة في أغنية عودك رنان، ما دفع زياد للتعبير عن صدمته بـ قوله ما كنت متوقع هيك شي.

في الحدث نفسه (يوليو 2009) عُقدت حفلات ضمن ليلية ثقافية تحت عنوان منيحة... موسيقى وغناء وكلام بدءاً من 15 يوليو مجدّداً في قلعة دمشق.

حيث صُمّمت أسعار البطاقات لتكون ميسورة (500 ليرة سورية للطلاب)، تكريمًا لجمهوره الصغير والكبير ولم يتم تحديد سعر باهظ.

وصف إعلاميون ومدوّنون اللقاء بأن محبة الجمهور السوري لزياد كانت مرعبة من شدة التفاعل، وأنه في دمشق كان أحد أبرز نجوم احتفالية دمشق.

كما أشادت الدكتورة حنان قصاب حسن، الأمين العام للاحتفالية بأن حضور زياد يعد هدية صيف للشباب وتأكيداً على أن فنه وثقافته تتماشى مع تطلعات جيل شباب الثقافة العربية.

زياد الرحباني في حفلاته بدمشق لم يكن مجرد عازف ومغنٍ بل رسولًا للموسيقى والحرية، جسّر بين أجيال وأرواح، بين المسرح والمصالح اليومية بين الضحك والتفكير،

أما Arabian Business وصف مشاركته بالسير الثقافي لما يتجاوز الحدود السياسية، ومفصلًا أن جمهوره توافد كبير لدرجة الانتظار منذ ساعتين قبل الحفلة.

العلاقة مع الجمهور المصري

أما بالنسبة لمصر فالعلاقة تحمل عمقًا ثقافياً وروحياً معه دون ظهور علني، رغم أن صدى أعماله لا يزال يتردد في شوارعها وأثيرها إلى اليوم.

رغم أن زياد الرحباني لم يُقم حفلًا رسمياً في مصر وفق المصادر المتوفرة، إلا أن علاقته بالمشهد المصري متجذّرة حيث كانت خليط من كيمياء موسيقية تربطه بتقاليد الأغنية المصرية، وقد جلب جماهير مصرية كبيرة عبر الإذاعة والتوزيع الفني، خاصة مع أعماله مثل بما إنو وأنا مش كافر التي لاقت انتشاراً واسعاً في القاهرة والإسكندرية.

ظهوره في برامج فنية مصرية أبرزها البرنامج مع باسم يوسف على CBC، حيث شارك كضيف وضمّ موهبته النقدية الساخرة إلى طابع السخرية السياسية الذي يميز الوسط المصري.

كما أن أعماله مثل أنا مش كافر وهدوء نسبي ظلّت تُردد بكثافة في شوارع القاهرة في فترة الألفينيات، ما يجعل العلاقة الروحية بينه وبين الجمهور المصري قوية رغم انعدام الحفلات المباشرة.

سبب وفاته وتاريخ الرحيل

تُوفي الموسيقار الكبير في 26 يوليو 2025، عن عمر ناهز الـ 69 عامًا بعد مرض طويل، مع مرض تليف الكبد في أحد مستشفيات بيروت.

وقد أعلنت وفاته وكالة الأنباء الرسمية، ونعاه الفنانون والشخصيات السياسية، ووصفه رئيس لبنان بأنه ظاهرة ثقافية وفكرية، فيما وصفه وزير الثقافة بأنه صوت الحق والإنسان... إرثه لا يموت وموسيقاه تبقى في القلب.

لم يكن زياد الرحباني مجرد ملحن أو مسرحي بل كان صوتًا متحدثًا باسم الشعب ومرآة الواقع حيث ترك خلفه إرثًا يجمع بين الفكر والموسيقى، بين الحروف والنغمات،

وفي حضوره المفقود يبقى صدى المسرح يتردد في صمته.


في النهاية دايما في الاخر في آخر في وقت فراق...

رحل زياد الرحباني إلى هناك حيث لا أوهام.. 

تاركاً وراءه بصمة عميقة في المسرح والموسيقى حيث حول السخرية إلى سلاح في الحرب...

سلاماً لمن رحل بجسده وبقيَ بأسئلته التي لا تنتهي.

ستبقى أعمالك شاهداً على أن الفن الحقيقي لا يموت، بل يصبح سلاحاً في يد من تبقى... 

سلاماً لروحك زياد رحباني


تعليقات

عدد التعليقات : 0