محمية طبيعية في سورية غابات الفرنلق صوت الطبيعة الذي لا يصمت
في أقصى الشمال الغربي من سوريا، هناك أرض ساحرة لا تشبه سواها، محمية طبيعية في سورية غابات الفرنلق حيث تعانق الجبال البحر وتغفو الغيوم على أكتاف الشجر تنبض غابات الفرنلق كقلب أخضر في جسد الوطن، إنها ليست مجرد غابة بل ملحمة حية من الجمال تحتضن الحياة وترتل لها أغنيتها الأولى.
هي ليست أجمل غابات سوريا بل أغناها تنوعاً بيولوجياً، وأكثرها حاجة للحب والرعاية في وجه الخراب والحرائق العابرة.
موقع غابات الفرنلق
تقع غابات الفرنلق على سفوح جبل الأقرع في محافظة اللاذقية وترتفع ما بين 500 إلى 900 متر فوق سطح البحر، وتجاور حدود تركيا شمالاً وغابات صلنفة جنوباً، وتمتد على مساحة تفوق 2400 هكتار من الخضرة النقية، وتتنفس برئة من ضباب الشتاء المنعش ورذاذ الصيف الساحلي.
في هذا المكان لا توجد فقط أشجار بل يوجد أرواح طيور، وأسرار كائنات ليلية وهمسات جداول لا تتعب من الركض فوق الحصى.
التنوع البيولوجي في غابات الفرنلق
ما يميز غابات الفرنلق هو تنوعها البيولوجي و الحيوي، حيث صنفت من أهم الغابات في الشرق الأوسط،
بحسب تقرير البيئة السورية لعام 2020، حيث اعتبرت غابات الفرنلق من أعلى مناطق الشرق المتوسط تنوعاً بيولوجياً وذلك لأنها:
تحتوي على 440 نوعاً من النباتات البرية النادر والمهددة بالاختفاء مثل الملّول والبنى، واللزاب السوري والكشمش البري والأوركيد البري.
كما تحتوي أيضاً على 82 نوعاً من الطيور التي تحلّق في فضاء الغابة كأنها موسيقى لا تكتب بالنوتة، مثل: الهدهد الشرقي والحجل السوري، والبومة النسارية والصقر العسلي والشحرور الأسود.
بالإضافة الى 35 نوعاً من الثدييات البرية التي تسكن خفيةً، في شعاب الأرض وتحت ظلال الأشجار مثل:
الضبع المخطط والقط البري والغزال الجبلي والنمس الأبيض والقنفذ الشرقي.
و 17 نوعاً من الزواحف والبرمائيات، مثل : ضفدع الشجر السوري والسلحفاة اليونانية والحرذون.
في كل شجرة قصة، وفي كل حفنة تراب احتمال لحياة جديدة إن الطيور لا تهاجر منها، لأنها تعرف أن قلب الغابة لا يخون.
مشروع GIZ الألماني
مدت أوروبا يدها المساعدة إلى الطبيعة في عام 2006، حيث جاء مشروع ألماني بقيادة الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) كحلم أخضر لوقف استنزاف الغابة، بالتعاون مع وزارة الزراعة السورية حيث تم تنفيذ مشروع لحماية الفرنلق، فكانت النتائج مدهشة من خلال
- وضع خرائط حيوية توثق الكائنات الحية
- تدريب السكان على التحطيب المستدام
- دعم منتجات العسل والأعشاب
- إنشاء ممرات سياحية لمراقبة الطيور
كان المشروع بيئياً واجتماعياً لأنه وفّر مصدر دخل لأكثر من 50 عائلة، وخاصة نساء القرى اللاذقانية اللواتي بدأن بإنتاج الزعتر المجفف والمربيات، وقد ذكرت الوكالة على موقعها الرسمي أن المشروع في سوريا كان نموذجاً ناجحاً للشراكة البيئية.
الفوائد الاقتصادية للغابة
تعد غابات الفرنلق حالياً مصدراً مباشراً للرزق الكريم، فبفضل المشاريع التنموية والدعم الألماني، تحوّلت الغابة إلى مورد مثل:
- إنتاج العسل البري.
- تجفيف الأعشاب الطبية.
- تصنيع المربيات الطبيعية.
- رحلات مراقبة الطيور.
ولعلّ الأهم من المال هو هذا الإحساس المتجدد بالانتماء، حيث يدافع السكان عن غابتهم، لأنهم يعرفون قيمتها كأرض وكحب.
خطوات حماية غابات الفرنلق
لا يكفي أن نعجب الغابات و نتغنى بسحرها وجمالها بل علينا أن نحرسها، ونرمم ما حرق منها مثل:
- إعادة التشجير بالأشجار الأصلية، لا الغريبة.
- منع الرعي الجائر والتحطيب العشوائي.
- إقامة محطات إطفاء محلية.
- إدخال مادة البيئة في المناهج المدرسية.
- تشجيع السياحة البيئية بدلًا من الاستثمار التخريبي.
حكاية حرائق سورية التي لا تنتهي
في غابات الفرنلق يلامس الجبل البحر، وتتعانق أشجار الصنوبر والأرز والسنديان لتشكل لوحة فنية لا مثيل لها، ولكن للأسف هذه اللوحة الجميلة تحمل ندوباً عميقة، ندوباً خلّفتها حرائق الغابات التي تلتهم هذه الجنة الخضراء سنة بعد سنة، وتترك وراءها رماداً وألماً.
منذ عام 2010 وحتى اليوم، والفرنلق تعيش كابوساً متكرراً، وكأن الطبيعة هناك تصرخ من وجع لا يتوقف، أتذكر جيداً حرائق عام 2010 التي كانت بمثابة الصدمة الأولى، ثم جاءت بعدها حرائق 2012 و2014 و2015، إن كل حريق منها كان له قصته ومأساته، ولكن أشد الحرائق هي التي لا تزال عالقة في أذهاننا، هي حرائق عام 2020 التي وصفت بأنها الأضخم والأكثر تدميراً.
في ذلك العام تحولت السماء في الساحل السوري إلى اللون البرتقالي الداكن، وامتلأت الرئة بدخان كثيف، حيث استمرت النيران في التهام الغابات لعدة أيام، وقدرت الخسائر بعشرات آلاف الهكتارات، كما لم تقتصر الخسائر على الأشجار فقط، بل امتدت لتشمل بيوت الأهالي وممتلكاتهم.
وفقدت العديد من الحيوانات موطنها، وبعضها فقد حياته، وكانت كارثة بيئية وإنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
والأمر لم يتوقف عند 2020 فقط بل في عام 2021 و 2022 أيضاً عادت الحرائق من جديد، وإن كانت على نطاق أصغر إلا أنها كانت تذكي فينا الخوف من أن نفقد هذا الإرث الطبيعي الثمين.
طرق حماية غاباتنا
قد تقولون إن الكارثة أكبر من أن نتحكم بها، ولكن في الحقيقة هناك الكثير مما يمكننا فعله، وهو حماية الغابات من الحرائق حيث تبدأ من الوعي الفردي الجماعي واتخاذ بعض الخطوات مثل:
- يجب أن نكون حذرين جداً في المناطق الحرجية، ونتجنب إشعال النيران في الأماكن الجافة أو خلال الأجواء الحارة والرياح، والتأكد من إطفاء أي نار بشكل كامل قبل المغادرة.
- يجب على الجهات المسؤولة أن تقوم بجهود استباقية كإنشاء خطوط نار في الغابات (وهي مناطق يتم إزالة الأعشاب والأشجار منها لتقليل انتشار الحريق)، وتوفير فرق إطفاء مدربة ومجهزة بشكل جيد.
- يجب التوعية المستمرة للمجتمع حول مخاطر حرائق الغابات وكيفية الوقاية منها، وخصوصاً في المناطق القريبة من الغابات.
اقتراح مشروع مشترك أمل جديد لسورية الخضراء
في سورية وبعد سنوات من الصراع أصبحت مواردها محدودة، وقدراتها على مكافحة الحرائق الضخمة ضعيفة، وهنا يأتي دور التعاون الدولي، تخيلوا معي مشروعاً مشتركاً بين وزارة الزراعة السورية والمنظمة العالمية لحماية البيئة (WWF) أو أي منظمة مماثلة.
- يمكن للمنظمة العالمية لحماية البيئة أن تساعد سورية في الحصول على طائرات إطفاء حديثة، ومعدات متطورة للكشف المبكر عن الحرائق عبر الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة (الدرون).
- كما يمكن للمنظمة العالمية للبيئة أن توفر خبراء دوليين لتدريب فرق الإطفاء السورية، على أحدث تقنيات مكافحة الحرائق، في المناطق الوعرة وكيفية إدارة الأزمات.
- كما يمكنها اطلاق مشروع ضخم لإعادة تشجير المناطق المحترقة، باستخدام أنواع أشجار مقاومة للنار، وبإشراف خبراء بيئيين لضمان استعادة النظام البيئي بشكل سليم.
هذه الشراكة ليست مجرد حلم بل هي ضرورة ملحة، إنها فرصة لإنقاذ ما تبقى من غابات سورية ولإعادة الحياة إلى غابات الفرنلق التي تستحق منا كل الدعم والحب، إن الغابات ليست ملكاً لبلد أو لفئة محددة من سكان الأرض إن البيئة ملك الجميع جميع سكان الأرض، ويجب الحفاظ عليها والعمل على ترميمها بالتعاون المشترك بين منظمة البيئة و منظمات المجتمع المحلي والدولي والجهات الحكومية، فالطبيعة هناك تنادينا وتنتظر منا أن نمد لها يد العون.
هل يمكن أن تساعد منظمة حماية البيئة (WFF) سورية في اطفاء الحرائق؟
في الوضع الطبيعي نعم، يمكن للمنظمات الدولية أن تقدم مساعدات عينية ومادية، بما في ذلك سيارات وطائرات إطفاء، ولكن في حالة سورية الوضع معقد قليلاً بسبب التحديات الجيوسياسية والعقوبات الدولية.
هل من الممكن التبرع بالمعدات؟
نعم يمكن للمنظمة العالمية لحماية البيئة (WWF) أو أي منظمة أخرى أن تساعد ولكن في العادة، لا تقوم هذه المنظمات بتقديم طائرات إطفاء باهظة الثمن بشكل مباشر للدول خاصةً تلك التي تمر في صراعات، مثل سورية لأن الطائرات تحتاج إلى صيانة دورية و قطع غيار، وكوادر فنية متخصصة جداً وهذا يجعلها عبئاً كبيراً على أي دولة منهكة.
ما يحدث في الغالب هو أن المساعدات تأتي على شكل:
- تمويل مباشر حيث تخصص المنظمات مبالغ مالية لدعم جهود الإطفاء، مثل ما فعله صندوق سوريا الإنساني التابع للأمم المتحدة الذي خصص مبالغ لدعم جهود الإطفاء في اللاذقية، كما أن هذه الأموال تستخدم لشراء المعدات الضرورية مثل الخراطيم، ومعدات الوقاية للفرق ووقود لسيارات الإطفاء الموجودة أصلاً.
- يمكنها إرسال فرق مختصة من الدول المجاورة أو المنظمات الدولية لمساعدة الفرق المحلية، وهذا حدث بالفعل في الماضي حيث شاركت فرق إطفاء من العراق والأردن في إخماد حرائق سورية وفي الأمس شاركت لبنان و تركيا والأردن و قطر.
- يمكنها تقديم مساعدات لوجيستية بسيطة ولكن أساسية حيث يمكنها التبرع بسيارات إطفاء لكنها، حيث يعتبر هذا أمراً واقعياً أكثر من طائرات الإطفاء، وقد يحدث هذا في إطار برامج مساعدات إنسانية واسعة النطاق.
المشروع المشترك بين وزارة الزراعة السورية والمنظمة العالمية لحماية البيئة (WWF) كيف سيتم؟
سيكون المشروع أكثر فاعلية إذا ركز على بناء القدرات على المدى الطويل، وهو ما ذكرناه سابقاً، إن المقاربة تكون أكثر استدامة وتناسب الوضع القائم.
كما إنها تحول المساعدة من مجرد رد فعل طارئ إلى خطة شاملة تهدف إلى منع الحرائق قبل حدوثها، والتعامل معها بفعالية أكبر.
عندما تشتعل، من خلال توفير التكنولوجيا والدعم اللوجستي وتدرب الكوادر السورية.
في الختام
نجد أن الغابة تصغي لك إن أصغيت لها، فحين تمشي في ممرّات غابات الفرنلق، وتشعر بطراوة الطين تحت قدميك، أو تنظر لطائر يلوّن السماء تفهم معنى الغابة وأنها ليست مجرد أشجار بل هي مثل أي كائن حي تُحب، وتصاب وتشفى.
إنها قصيدة على هيئة ظلال، لا تحتاج سوى من يصغي لها ويحمل عنها عبء الخراب لأن غابات الفرنلق ليست مجرد إرث طبيعي، بل هي رسالة لكلّ من نسي أن الأرض كانت أمّه الأولى.